يحكى أيها الملك السعيد، ذو العقل الرشيد، أن رئيسا لجامعة الكوفة إجتمعت فيه الصفات، واستدار حوله الثقاة، حتى صار مريدوه، من محبي الهريسة، يهتفون "نموت ويحيى العيسه".
للسيد الرئيس [رئيس الجامعة] حاشية ينبغي تحاشيها ذاك أنها منتقاة من الخلص الخشع أمامه الركع تحت أقدامه، القابلين بما يقبل به الرافضين لما يرفضه العاكفين على ما يعكف عليه، الطامعين بما يطمع اللاطعين لما يلطع الناطحين لما ينطح الناضحين بما ينضح.
السيد رئيس جامعة الكوفة تبوأ على الجامعة رئيسا، واتخذ من كل سيء جليسا، لا يطلب النصيحة إلا من كل متردية أو نطيحة ، دخل سنته السادسة بسحنته العابسة، حتى كدنا ننسى أن المدة الأقصى لرئاسة الجامعات في العراق هي أربع سنوات وحتى حسبنا أنه قد تم انتخابه مع أنه ما من أحد قد انتخبه، تغير الوزراء ولم يتغير وتغير رؤساء الوزراء ولم يتغير وتغير المحافظون ولم يتغير، فخلصنا إلى النتيجة الوحيدة ألا وهي أن هذا الفحل الفطحل قد اشترى الجامعة وما فيها ومن فيها من أرض وبشر وحجر، فالجامعة من ممتلكاته الخاصة بيعا وشراء واستثمارا، يعيث بها كما يشاء جهارا نهارا ولا يعير اهتماما لأي كائن مؤمنا كان أو كفارا. فيا ترى من كان البائع؟ أسمسار حاذق أم وزير سابق أم حاكم بأمر الله من وراء الحدود؟
ورئيس جامعتنا منا أهل الكوفة. درس بيننا منذ نعومة أظفاره فبزغ نجمه بكتابة التقارير، وترقى في مراتب البعث وشرب الدم بالقوارير، وتعلم من أين تؤكل الكتف، حتى تمكن بعد الانضمام إلى البعث الصدامي بدرجة مؤيد أن يترقى السلم بهدوء إلى درجة نصير، ثم بذل الجهود الجهيدة، بإرادة عنيدة، كي يقفز درجة أخرى ليكون نصيرا متقدما.
ثم أقام العزائم وأولم الولائم لتستمر مسيرته الظافرة وتتحقق رغباته القاهرة. ولكن حالت لوائح البعث العنصرية الشوفينية بينه وبين طموحاته، فمنع هذا الفتى العملاق من أن يصطف مع الرفاق، فلم يمنحه البعثيون لقب العضو مع أن رأسه رأس عضو وطوله طول عضو وطبعه طبع عضو، فهو أرعن جسور وأصلع فخور، لا يتورع عن العنف أو الطعن بالخلف.
نعم لقد كانت لوائح البعثيين تقضي أن لا ينال العضوية من كانت أصوله فارسية. فأحاق بفتى الفتيان ظلم كبير، كيف لا وهو رفيق بالفطرة، وإلا ما الضير في أن تكون أصوله فارسية، ألسنا جميعا أبناء حواء وآدم، ثم ألم يشفع له ولاؤه للبعث ولصدام ، واستماتته في النيل ممن يشك في ولائه للقائد الضرورة؟ ولكن الله بالمرصاد. فلقد قيض الله له من يسقط صدام والبعث كله عن حكم العراق. واستفاد فتى الفتيان من الخبرة التي أخذها على أيدي البعث في كيفية التسلق والتملق والتزحلق، فعقد الصداقات مع الأمريكان وعرض مظالمه على الإيرانيين وشكا بؤس حاله أيام البعثيين الذين أوقفوا نموه عند درجة نصير متقدم وهو جدير عريق بدرجة رفيق. فصار صديقا حميما للأمريكان الذين خلصونا من الطاغوت، يكتب لهم تقاريره عن كل من يشك أنه معاد لهم، وصار صديقا مخلصا لكل دولة جوار أو بعيدة تريد ساحة لمخابراتها في العراق وفي النجف تحديدا من إيرانيين وسعوديين وسوريين وأردنيين ومصريين، ولو كانت حكومة الصومال تريد معلومات عن العراق لأفادها صاحبنا واستفاد، حتى سانده الفرقاء كلهم لكي يصبح رئيسا لجامعة الكوفة. وهذا هو سبب بقائه ومكمن قوته وسر عبقريته، إذ لم يستطع وزير أو محافظ أو رئيس أن يزيحه عن مكانه. بل هو مرشح ساخن لأن يصبح سفيرا أو وزيرا للتعليم أو الترميم أو التعتيم ، وهو جدير بما هو أكثر من ذلك. فبعد أن قضى على كل إمكانيات جامعة الكوفة بإعلانه الحرب على كل من تسول له نفسه أن يعمل بجد على تنشيط مسيرة علمية حقيقية، فشرد كثيرا ممن عاد إلى العراق من أصحاب الكفاءات فعادوا نادمين إلى مرابعهم في بلاد الله الواسعة معتقدين بأن صدام مازال يقف في بغداد مناديا: "عفية بالويلاد"، لأن أحد "الويلاد" ما يزال رئيسا للجامعة. ونقل كثيرا من الأساتذة إلى أماكن لا يمارسون فيها اختصاصهم، أو إلى جامعات أخرى بعيدة وعاقب آخرين عقوبات شتى. واستفاد من موارد الجامعة وريعها لينمي ثروته الخاصة، بعد أن تلاقى في جيوبه الخاص والعام وصار قادرا على أن يرشي كل من يريد مساءلته أو تنحيته مهما كان متنفذا.
وبعد أن يئسنا من الوزير نتوجه بندائنا إلى رئيس الوزراء قائلين:
مو كافي كلبي ذاب
لك عيني لك حباب
صدك عمرنه يفوت
وكل احنه راح نموت
الله اشتكله هناك
باجر وراك حساب
الكاتب: جزعان السيد ماذيني
