وزارة حسون
أُستحدثت في الآونة الأخيرة وزارة جديدة .. وكان إستحداثها لمقتضيات المصلحة العامة ، كما قيل .. وسميت بوزارة حسون .. على غرار وزارة الأنفال والمؤنفلين في اقليم كردستان .. التي تطالب بمعاناة الأكراد منذ الستينات حتى سقوط الصنم ..
ومهمة هذه الوزارة المستحدثة المطالبة بمعاناة كل حسون .. ولم تحدد الفترة الزمنية ، التي يعتبر فيها المواطنين المتظررين مشمولين برعاية الوزارة .. لأن تحديد الفترة الزمنية للمشمولين بتصنيفهم من الحسسانة أمر ليس بالهين .. إذ لا تتوفر للوزارة ، الوثائق اللازمة لتحديد بداية الفترة حتى نهايتها .. ولا تتوفرالإمكانات اللوجستية اللازمة لذلك .. لأنها وزراة حديثة التشكيل .. ولم يعرض موضوع تشكيلها قبل وضع الميزانية .. ليؤخذ بنظر الإعتبار ، وتصرف له الأموال اللازمة ..
ولكن المسؤولين قالوا : ان مصاريف الوزراة ستغطى في الوقت الحالي من الاموال التي تتوفر ، من تخفيض رواتب الرئاسات الثلاثة ، والنواب والمسؤولين الكبار ..
وقد اختير الوزير بعيدا عن الإستحقاقات الانتخابية والمحاصصات الحزبية ، او الطائفية .. لأنه من الطبقة الإجتماعية _ الغير مسحوقة _ التي ينحدر منها حسون .. أي أنه تكنوقراط * مئة بالمئة .. فمن لديه الخبرة بكل ما مر به الحساسنة أكثر منه؟ لأنه منهم ، وقضى حياته يعيش معهم .. ويفهم مطالبيهم بشكل جيد .. ويسعى جاهدا ً لتحقيقها ، مهما كلف الأمر ، حيث تعتبر مطالبيه أيضاً ..
وشرع الوزير ووكلائه ومدراءه العامون ، وموظفوه الصغار ، بتحديد الفترة الزمنية ، التي استشرت فيها القضية الحسونية .. وبدأت بالتصاعد حتى صارت من البديهيات .. ومن الامور التي لا تلفت النظر بالنسبة ، للرأي العام العالمي والمحلي .. ولا تعني من يعنيهم الامر .. واعتبروا تلك الفترة منذ بداية الحكم العسكري حتى الآن ..
وشرعوا بجمع الوثائق المطلوبة ، والقوائم الطويلة والعريضة ، للمشمولين برعاية تلك الوزارة .. وصنفوا المشمولين الى عدة أصناف .. فكل من قتل او تضرر بسبب رأيه ، أو توجهه الديني ، او العرقي او السياسي .. بالإضافة الى ضحايا الحروب ، والعنف بمختلف الوانه وانواعه .. والذين أضطروا لترك مساكنهم او بلدهم مكرهين ، حفاظا على أرواحهم او معتقداتهم .. يعتبر مشمولا ً برعاية الوزارة .. وأضيف لهذه الأصناف بملحق قرار الوزارة .. ضحايا الحوادث المختلفة .. جراء إهمال الحكومة القيام بواجباتها تجاه المواطنين ..
حتى امتلئت جدران الوزارة بتلك القوائم .. وبذلك توفرت لها المبالغ اللازمة لتبييض الجدران وتلوينها .. فأي حائط اجمل من حائط مسكو بالقوائم المليئة بالأسماء ؟؟ واقتدت بعض الوزارت الأخرى بها ، وزينت جدرانها بهذه الطريقة .. ولم يقف الامر عند هذا الحد ، إذ انتشرت تلك الظاهرة حتى في البيوت .. وتعتزم الوزارة وضع دراسة لتعمم هذه التجربة ، والصيحة الجديدة المبتكرة ، في تزيين الجدران في عموم البلد ..
كما قام المستثمرون بفتح المطاعم ومحال الأكلات السريعة، والمقاهي ، قرب الوزارة .. للإستفادة من جموع المراجعين التي تفد إليها كل يوم .. كما فتحت كراجات قرب الوزارة ، لنقل المراجعين من وإلى محال سكناهم .. وأخذت محال الأستنساخ وكتاب العرائض مكانها بين كل ذلك ..وأنتشر بين المحال السماسرة ومعقبي المعاملات ..
وسرت شائعة تقول وحسب كلام الحراس الليلين .. ان الوزراة تعج طوال الليل بالأشباح ، على هيئة بشر ، من مختلف الأجناس والأعمار .. ويعتقد أنها أشباح مسالمة .. إذ لم يفزعوا احد الحراس ، ولم يقوموا بتمزيق قوائم الأسماء الملصقة على جدران الوزراة ، أو تكسير زجاج نوافذها .. بل إنهم لم يزعجوا المسؤولين ، حتى في نومهم ..
وخاطبت تلك الوزارة الجهات الرسمية المعنية ،التي تشترك معها بتنفيذ مهامها .. وكان خطابها لوزارة البلدية .. الطلب منها القيام بالبحث عن المقابر الجماعية ، وحفرها بالطرق والوسائل الحديثة ، ومنع حفرها بالجرافات .. حفاظا ً على رفات الضحايا ، وليتسنى إحصاء تلك المقابر المجهولة العدد لحد الآن .. ومعرفة عدد الضحايا ، والتعرف على هوياتهم .. وعلى أن تقوم وزارة الري بإنتشال الجثث ، والرؤوس المقطوعة من الأنهار .. ومنع الكائنات المائية من أكلها وتشويه ملامحها ، قبل التعرف عليها ..
وتقوم الوزارات الأمنية بتوفير الأمن وتنظيف البلاد من حقول الألغام .. ومنع المفخخات والعبوات والأسلحة الكاتمة ،من ممارسة هواياتها ، في زيادة اعداد قوائم المشمولين برعاية الوزارة .. لحين توفير الإحصائية النهائية ، بعدد الحسسانة لحد الآن ..
واوعزت إلى وزارة الثقافة ، بإقامة نصب رمزية ومتاحف للضحايا .. وتحديد ساعة معينة في يوم من ايام السنة ، تدق فيها صفارات الإنذار ، للتذكير بالقضية الحسونية .. واقترحت أن يسمى باليوم الحسوني ..وتشجيع الكتاب والباحثين ، على الكتابة في اسباب تلك المأساة ، ونتائجها وتداعياتها .. ومطالبة الدول المتورطة في ذلك ، بإحياء تلك المناسبة سنويا ً في بلدانهم .. ووضع النصب التذكارية .
على أن تقوم وزارة الخارجية ، بتحديد الدول والمؤسسات ، المتورطة في القضية الحسونية .. ومطالبتها بتعويضات مادية ومعنوية ، لذوي الضحايا .. بغية التكفير عن ذنوبها التي إقترفتها بحقهم ..
وقيل حينها ان هذه الوزراة ستكون الدجاجة التي تبيض ذهبا ً للبلد ، بالإضافة لدجاجة النفط.
على ان تقوم وزارة التربية ، بوضع هذا الموضوع في منهجها الدراسي ، وتدريسه للنشئ الجديد .. ليعتبر من الماضي ويستفاد منه في عدم السماح بإعادة تلك التجربة المريرة مرة ثانية ..
لكن الوزارة ألغيت لأسباب لم يعلن عنها ..
وللحديث بقية ...
.....................
* التكنوقراط : كلمة أصلها يوناني وتعني تقني أو فني. وباعتبارها شكلا من أشكال الحكومة ، تعني حكومة الفنيين.
نعيم آل مسافر